سورة البقرة - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النَّاس} هم أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} أَيْ: لا نفعل كما فعلوا، وهذا القول كانوا يقولونه فيما بينهم، فأخبر الله تعالى به عنهم.
{وإذا لقوا الذين آمنوا} إذا اجتمعوا مع المؤمنين، ورأوهم {قالوا آمنَّا} {وإذا خلوا} من المؤمنين وانصرفوا {إلى شياطينهم}: كبرائِهم وقادتهم {قالوا إنَّا معكم} أَيْ: على دينكم {إنَّما نحن مستهزئون}: مُظهرون غير ما نضمره.
{اللَّهُ يستهزئ بهم}: يجازيهم جزاء استهزائهم {ويمدُّهم}: يُمهلهم ويطوِّل أعمارهم {في طغيانهم}: في إسرافهم ومجاوزتهم القدر في الكفر {يعمهون} يتردَّدون مُتحيِّرين.
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}: أخذوا الضَّلالة وتركوا الهدى {فما ربحت تجارتُهم} فما ربحوا في تجارتهم، وإضافة الرِّبح إلى التجارة على طريق الاتساع، كإضافة الإيضاء إلى النار. {وما كانوا مهتدين} فيما فعلوا.
{مثلُهم كمثل الذي استوقد ناراً} أَيْ: حالهم في نفاقهم وإبطانهم الكفر كحالِ مَنْ أَوقد ناراً فاستضاء بها، وأضاءت النَّار ما حوله ممَّا يخاف ويحذر وأمن، فبينما هو كذلك إذ طُفئت ناره فبقي مُظلماً خائفاً مُتحيِّراً، فذلك قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم...} الآية، كذلك المنافقون لمَّا أظهروا كلمة الإيمان اغترُّوا بها وأَمِنُوا، فلمَّا ماتوا عادوا إلى الخوف والعذاب.


{صمٌّ} لتركهم قبول ما يسمعون {بُكْمٌ} لتركهم القول بالخير {عُمْيٌ} لتركهم ما يُبصرون من الهداية {فهم لا يرجعون} عن الجهل والعمى إلى الإسلام، ثمَّ ذكر تمثيلاً آخر فقال: {أو كصيِّبٍ} أو كأصحاب مطرٍ شديدٍ {من السَّماء}: من السَّحاب {فيه}: في ذلك السَّحاب {ظلماتٌ ورعدٌ} وهو صوت مَلَكٍ مُوكَّلٍ بالسَّحاب {وبرق} وهي النَّار التي تخرج منه. {يجعلون أصابعهم في آذانهم} يعني: أهل هذا المطر {من الصواعق} من شدَّة صوت الرَّعد يسدُّون آذانهم بأصابعهم كيلا يموتوا بشدَّة ما يسمعون من الصَّوت، فالمطر مَثَلٌ للقرآن لما فيه من حياة القلوب، والظُّلماتُ مَثَلٌ لما خُوِّفوا به من الوعيد وذكر النَّار، والبرقُ مثلٌ لحجج القرآن وما فيه من البيان، وجعل الأصابع في الآذان حذر الموت مثَلٌ لجعل المنافقين أصابعهم في آذانهم كيلا يسمعوا القرآن مخافةَ ميل القلب إلى القرآن، فيؤدِّي ذلك إلى الإيمان بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وذلك عندهم كفرٌ، والكفر موتٌ. {واللَّهُ محيطٌ بالكافرين} مُهلكهم وجامعهم في النَّار.


{يكاد البرقُ يخطف أبصارهم} هذا تمثيلٌ آخر، يقول: يكاد ما في القرآن من الحجج يخطف قلوبهم من شدَّة إزعاجها إلى النَّظر في أمر دينهم {كلما أضاءَ لهم مشوا فيه}: كُلَّما سمعوا شيئاً ممَّا يُحبّون صدَّقوا، وإذا سمعوا ما يكرهون وقفوا، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ: {وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} أَيْ: بأسماعهم الظَّاهرة، وأبصارهم الظَّاهرة، كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة حتى صاروا صُمَّاً عُمياً، فليحذروا عاجل عقوبة الله سبحانه وآجلها، ف {إنَّ الله على كل شيء قديرٌ} من ذلك.
{يا أيُّها النَّاس} يعني: أهل مكَّة {اعبدوا ربَّكم}: اخضعوا له بالطَّاعة {الذي خلقكم}: ابتدأكم ولم تكونوا شيئاً {والذين من قبلكم} آباءكم وخلق الذين من قبلكم. أي: إنَّ عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوق وهو الصَّنم {لعلَّكم تتقون} لكي تتقوا بعبادته عقوبته أن تحلَّ بكم.
{الذي جعل لكم الأرض فراشاً} بساطاً، لم يجعلها حَزْنةً غليظةً لا يمكن الاستقرار عليها {والسماء بناءً} سقفاً {وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات} يعني: حمل الأشجار جميع ما ينتفع به ممَّا يخرج من الأرض {فلا تجعلوا لله أنداداً}: أمثالاً من الأصنام التي تعبدونها {وأنتم تعلمون} أنَّهم لا يخلقون، والله هو الخالق، وهذا احتجاجٌ عليهم في إثبات التَّوحيد، ثمَّ احتجَّ عليهم في إثبات نبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم به، فقال: {وإنْ كنتم في ريب مما نزلنا} أي: وإن كنتم في شكٍّ من صدق هذا الكتاب الذي أنزلناه على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقلتم: لا ندري هل هو من عند الله أم لا {فأتوا بسورة} من مثل هذا القرآن في الإِعجاز، وحسن النَّظم، والإِخبار عمَّا كان وما يكون، {وادعوا شهداءكم} واستعينوا بآلهتكم التي تدعونها {من دون الله إن كنتم صادقين} أنَّ محمداً تقوَّله من نفسه.
{فإنْ لم تفعلوا} هذا فيما مضى، {ولن تفعلوا} هُ أيضاً فيما يُستقبل أبداً {فاتقوا} فاحذروا أن تصلوا {النَّار التي وقودها} ما يُوقد به {الناسُ والحجارة} يعني حجارة الكبريت، وهي أشدُّ لاتِّقادها {أعدَّت} خُلقت وهُيِّئت جزاءً {للكافرين} بتكذيبهم، ثمَّ ذكر جزاء المؤمنين فقال: {وبشِّر الذين آمنوا} أَيْ: أخبرهم خبراً يظهر به أثر السُّرور على بشرتهم {وعملوا الصالحات} أَي: الأعمال الصَّالحات، يعني الطَّاعات فيما بينهم وبين ربِّهم {أنَّ لهم}: بأنَّ لهم {جناتٍ}: حدائق ذات الشِّجر {تجري من تحتها} من تحت أشجارها ومساكنها {الأنهار} {كلما رزقوا}: أُطعموا من تلك الجنَّات ثمرةً {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} لتشابه منا يُؤتون به، وأرادوا: هذا من نوع ما رُزقنا من قبل {وأتوا به متشابهاً} في اللَّون والصُّورة، مختلفاً في الطَّعم، وذلك أبلغ في باب الإِعجاب {ولهم فيها أزواجٌ}: من الحور العين والآدميات {مطهرةٌ} عن كلِّ أذىً وقذرٍ ممَّا في نساء الدُّنيا، ومن مساوئ الأخلاق، وآفات الشَّيب والهرم {وهم فيها خالدون} لأنَّ تمام النِّعمة بالخلود.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8